إن الاختلاف طبيعة بشرية تميز بها الإنسان في شكله ولونه وصفاته، ونتج عن ذلك تباين في تفكير البشر، وتعدد في آرائهم، وتنوع في مواقفهم، بحيث تقبل الناس أن يتعايشوا وفق هذه الاختلاف الطبيعي الذي فطرهم الله عز وجل عليه. وكأثر لهذا الاختلاف الفطري نتج عن ذلك اختلاف الآراء، وتعدد المواقف سواءً على المستوى الشخصي أو الجماعي.
ومع التنوع الفطري، فإن تعدُدية الآراء تنتج عنها مواقف تؤدي إلى الخلاف أحياناً، وإذا لم تتم إدارتها بحكمة، فإن تعدد الآراء قد يتحول إلى صراع وأزمات. وهذا مرتبط بثقافة المجتمع، وتراثه الفكري. ولذك نجد أن هناك مجتمعات تمكنت من إدارة الاختلاف، ووظفته بما يخدم مصالح المجتمع ويثري ثقافة الفرد. بينما هناك مجتمعات أخرى لم تتمكن من إدارة هذا الاختلاف، بل أصبحت تعاني أي اختلاف في الآراء والمواقف والمصالح، بحيث تحوله إلى أزمات وصراعات تتحول إلى عداوات، ومنها النخب السياسية في العالم العربي التي لم تنجح في الغالب في إدارة الاختلاف وصناعة ثقافة خاصة به.
فالعمل السياسي لا يمكن أن يتحقق في توافق الآراء باستمرار، بل إن المواقف السياسية بطبيعتها تُبنى على تعددية الآراء واختلافها وتنوعها لدرجة أن في الأسرة الواحدة وفي البيت الواحد تجد أن الإخوة والأخوات لديهم آراء مختلفة حول القضية السياسية ذاتها. وهذا ينسحب على القادة والمسؤولين السياسيين العرب، إذ لا يمكن أن يتوافق العرب في كل قضية سياسية على موقفِ واحد، بل هناك نسبة توافق، ونسبة اختلاف تزيد وتنقص حسب التوجهات السياسية والمصالح المرتبطة بها. ولذلك تصبح صناعة ثقافة الاختلاف في العالم العربي ضرورة لخدمة العمل العربي المشترك، والمحافظة على المصالح الوطنية لكل العرب، بحيث نتعايش مع ما نختلف عليه لصالح المتوافق عليه بيننا، فلا ينبغي أن نحول اختلافاً في قضية واحدة إلى مشروع أزمة وعداوة وصراع على حساب المتفق عليه فيما بيننا، وهو الذي يمثل الغالب من القضايا التي تخدم العمل العربي المشترك.
وكذلك لا ينبغي أن نحول خلافاً على المستوى السياسي إلى خلاف بين الشعوب يتحول إلى صراعٍ لا يمكن إدارته أو السيطرة عليه، وبالذات في عصرنا هذا، حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في التأثير على الشعوب، وتأجيج مشاعر الجماهير، وتحديد مواقفها وتوجهاتها السياسية. وإذا خرج الخلاف عن السيطرة من خلال إدارة واعية له، فإنه يفتح آفاقاً لزعزعة الاستقرار وتشكيل مهددات للأمن الوطني والعبث بالثوابت المتوافق عليها، مما قد يفتح باباً للمتربصين أو للآخر باستهداف المصالح العربية واستغلال هذا الاختلاف، بما يخدم أجندة تعمل على تمزيق العرب وتفريقهم واستغلال اختلافاتهم.
وعلينا أن نتعلم أن أزمات الماضي جزء من تاريخ ذهب، فلا ينبغي علينا أن نعيش تلك الأزمات ونرهن مستقبل أوطاننا بأزمات قد تجاوزها الزمن، ولذلك فقد ما نختلف عليه اليوم قد يكون هو سبب لتوافقنا غداً.
*رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.
https://www.alittihad.ae/opinion/4361423/ : مصدر المقال